الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

مخازن الأخلاق

   


في حفل توقيع كتابه الجديد ,, 

وبحضور جماهيري غفير ،، وسط فلاشات الإعلام 
تقدمت سيدة ومعها طفل صغير لتحصل على توقيعه 

فإذا بالطفل مع حماسته دفع برجله الطاولة ،، 
فانسكبت القهوة على ثوب الكاتب وآيباده وعلى عدة نسخ من كتابه 

ومع فزع الطفل ، وحَرَجَ والدته ، وإنتظار ألف عين وعين لردة فعل كاتبنا 
الذي بدوره ،، كان يتمنى في تلك اللحظة أن يصفع الطفل ، ويركل أمه ,, 

فما كان منه إلا أن إبتسم إبتسامة صفراء تبدو حقيقية 
وقال لوالدة الطفل بصوت تسمعه الصحافة .. " فِداك ياحبيبي "
وسط تصفيق الجمهور وإعجابه بحكمته ، وحلمه ، وذوقه الرفيع .

وخلال الحفل .. 

إستمر بتوزيع الإبتسامات وعبارات الحب والشكر والتقدير
لأصدقاءه ولجميع الحاضرين ،، 

لم يترك طفلاً في الحفل إلا وربت على رأسه وأهداه قبله ,,
حتى طفل "القهوة" لم يحرمه من حنانه وقبلاته ،، 

وكان يتلقى بصدر رحب  إنتقادات قاسية وغير لائقة
من بعض الحضور على أفكار كتابه ، وعن شخصيته وخصوصياته
فقابلهم بعقل وقلب متفتح يقبل الرأي الآخر ونفس لينة سهلة
لا ترفض النقد وتتقبل النصيحة .  


وفي الختام .. 

إختلطت عليه أصوات التصفيق
 فزهت روحه وحلقت ولامست السماء
 وفقد القدرة على التمييز بين تصفيق المحب والمعجب 
والمجامل والمتمصلح والحاسد وغير ذلك . 


انتهى الحفل .. 

صورته الحسنة خلعت القلوب حباً وإعجاباً 
وإنبهروا بأخلاقه وبحكمته في إدارة المواقف 
وحسد بعض الناس أهله على وجوده بينهم ومعهم 


وفي طريق عودته لمنزله ..

لم يتوقف عن تلقي الإتصالات ورسائل وتغريدات الإعجاب 
ومابين مهنيء ومهنئة ومعجب ومعجبة ومجامل ومجاملة .. 


وصل إلى منزله ,, 

وقد إستنفذ مع جمهوره آخر مافي مخازن أخلاقه .. 
لم يعد لديه قدرة على التجمل بالصبر والذوق أكثر من ذلك 

خاصة ،، وأن أهله بالنسبة له .. تحصيل حاصل 
وواقع مفروض .. لا مصلحة مادية منهم
ولا يحتاج لتحسين صورته أمامهم 


وبمجرد أن فتح الباب .. 

ألقى بقناعه الجميل الباسم خارجاً 
ودخل لبيته وأسرته بوجهه الآخر   

تحول لشخصية أُخرى ..
لا حكمة فيها ،، ولا صبر ،ولا ذوق ،ولا رحمة 

ديكتاتور .. لا يتكلم إلا بالأمر والنهي والنقد والإستهزاء 
هجومي قاسي عنيف ، يغضبه أي شيء ،، مهما كان بسيطاً ..
لا يعذر صغيراً ولا ضعفاً ، ولا يقدر كبيراً ولا ظرفاً .. 

ولكم أن تتخيلوا " بيئة " فيها إنسان له تأثيره ومكانته ،، 
وقد إفتقد جميع الأخلاق والصفات التي تؤهله ليكون إنساناً.

وفي الوقت ذاته .. 

يغضب ويشعر بالظلم والغبن لأن أسرته لا تعطيه مكانته 
 ولا تتعامل معه بنفس التقدير والحب والإحترام 
الذي يُعامَل به من أصدقاءه وجمهوره .. 

ونسي أو تناسى .. 
 
أن الآخرين لم يروا منه إلا الجميل .. 
ولم يتذوقوا منه إلا الذوق والرحمة واللين والسهولة

وأن من زرع بذور الخير والحب والجمال في بيئته الخارجية 
مع أصدقاءه وفي وظيفته أو تجارته وعلاقاته العامة
سوف يجني ثمار الحب والتقدير منهم 
 
وأنه من الحماقة ..

إنتظار الحب والتقدير والسلام في بيئته الداخلية
وقد زرع فيها بذوراً أخرى يتحاشا بَذرها في بيئته الخارجية 

فكل إنسان .. 
يحصد ثمار ما زرع .. 
في ذلك المكان ومع أولئك الأشخاص

ومن غرائب الحب والخير والتقدير والإهتمام ..
أن الإنسان لو أرادهم لنفسه في بيئة ما 
فعليه أن يبذل ماعنده في تلك البيئة 
،،، وعلى قدر مايعطي سيأخذ وزيادة  


فحري بالعاقل .. 

الذي ذاق حلاوة العائد من ممارسة الحكمة ومحاسن الأخلاق
التي لولاهم لما حصد المحبة والنجاح خارج بيته .. 

أن يمنح الحظ الأوفر من جميل صفاته
لأهله ، لزوجه ، لأطفاله ليسعدهم به ، وينعمهم بنفسه 
وينعم هو بالسلام الداخلي والصلح مع ذاته
ويرضى عن نفسه بعد رضا الله عليه  

فإن "الأقربون أولى بالمعروف " 

و " خيركم ، خيركم لأهله " . 

من الآخر  .. 
وفي بضع نقاط 

- فإن الذين بالخارج مهما مجدوك
بإختلاف أسباب التمجيد 
لن يفضلوك على أهلهم 
فإذاً ،، لماذا تفضلهم على أهلك ؟

 فالحكمة تقتضي أن تعطيهم حقهم منك
، وتحفظ لأهلك حقهم فيك .  

- ليس هناك إنسان يعطي أهله وأطفاله 
حقهم من الأخلاق والمعاملة الحسنة 
إلا وهو كذلك في كل زمان ومكان 
ومع أيٍ كان " داخلياً وخارجياً " 

وفي الوقت نفسه ..
لا نستطيع أن نحكم على كل إنسان 
يشع أخلاقاً وحسناً في محيطه الخارجي .. 
بأنه كذلك أيضاً مع أهله 
ولا يمكننا الحكم عليه بنقيض ذلك 

فالبيئة الخارجية تمثل ظاهر الإنسان 
والبيئة الداخلية تمثل باطنه وحقيقته 

 "فاعتبروا يا أولي الأبصار"

أسأل الله لنا ولكم أن يهبنا الحكمة 
ويؤصل طباعنا بالأخلاق الحسنة 

ونعوذ بالله من الشقاق والنفاق 
ومن مساويء الأخلاق . 
 

__________________
محمد عيد العزيز المكوار
٢٥ نوفمبر ٢٠١٤م

الخميس، 6 نوفمبر 2014

ساعة ،، من رحيل صادق



ها أنا جالس في مكتبي 
أتناول قهوة الصباح ،،

أنهي بعض الأعمال ، أقرأ ، أتأمل ، أكتب 
أتواصل حقيقة ، وإفتراضاً مع الأصدقاء

لكن اليوم كان مختلفاً عن كل يوم ،، 
،،  فقد وصلتني رسالة مَفَادها :

بأن صديقك "صادق" قد وافاه الأجل 
وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون  . 

فوراً .. ظهرت بمخيلتي صورة صادق 
الشاب المكاوي ، الباسم ، الخلوق 
الذي عرفته منذ ٢٠ عاماً 

 تذكرت بعض كلماته 
بنبرة صوته  ، ونغمة ضحكته 
ومرَّ في خاطري شريط من الذكريات 
والمواقف التي جمعتنا في السنتين الأولى
من دراستنا الجامعية 

كانت هي فترة صداقتنا .. 
 حتى فرق بيننا التخصص 
والمكان ومعمعة الحياة 
وما عادت أُخُوَتَنَا إلا ذكريات الشباب
ومواقف الدراسة ، وأُخرى مضحكة  

واستمر التواصل بيننا بالرسائل في المناسبات   
ومكالمة بين عام وعام ، وبضع لقاءات جميلة
 كان هو المبادر فيها والُملِح عليها 
فقد كان صادق .. صادق الوفاء 

مع طول السنين وقلة التواصل 
، كان الود قائماً 
وفقدت برحيله أخاً وصديقاً 
أدى حقي وأهملت بحقه ،، 
وأحسست " فعلياً "  بأن هناك جزء
 من ذكرياتي قد مات 

بعد ساعة من رحيل صادق .. 
 
كتبت خاطرتي هذه ، ولا أدري إن كانت ..  
وفاءً له ، أو رثاءً فيه ، أو عزاءً لنفسي 

ولعلها الثلاثة ، وقد سُخرت له 
ليترحم عليه قاريء وقارئة لا يعرفانه 
ولم يدركا أن "صادق"  كان يوماً معهم 
في نفس المكان والزمان من هذه الحياة 

هذه الحياة .. التي أراها الآن .. 

في محيط طاولتي ، وقهوتي المتكررة 
وفي جهاز بقدر الكف 
، أشاهد وأشارك فيه الحياة 

تأملتها بعين من رحل عنها قبل ساعة 

فهذه الفرصة من التأمل ،،
لن تُتاح ليّ حين أرحل أنا عنها

فوجدت أغلبنا مفتون بها منغمس فيها  .. 
وهي لا تأبه لأحد منَّا 
، ولا تفتقد من رحل عنها 

تبين لي أن بين الإنسان والدنيا .. 
حب من طرف واحد

يقضي حياته كدحاً في بناءها 
ويضحي بأسمى القيم وجميل المعاني 
في سبيل الإستزادة منها ، وتخليد إسمه فيها 

وفي أول لحظة من رحيله عنها
 يتفرق ماجمع ، ويُنعى بهاشتاق ثم ينسى 
ولا يلبث من يذكره أن ينساه ،أو يلحق به
فلا يبقى له فيها رِكزاً ولا ذِكراً

هاهو قد رحل ..
وهاهم أهلها كما هم 
في كل يوم يُستبدل منهم الآلاف 
وهم في غمرتهم ساهون 
وهاهي الحياة .. عديمة الوفاء  
وكأنَّ .. لم ينقصها أحد

رحمك الله يا صادق بشيري 
وأمطر عليك من برد رحمته 
، وواسع مغفرته ، وعظيم فضله

وعظم الله أجر أحبابك فيك 
، وألهمنا وإياهم الصبر والسلوان 

أسأل الله أن يرحمنا
 إذا صرنا إلى ماصرت إليه
وأن يجمعنا في مقعدِ صدقٍ عنده
إنه هو المليك المقتدر 
 

_____________
محمد عبد العزيز المكوار
٦ نوفمبر ٢٠١٤م