بالدارج .. التغافل تكبير الدماغ و تجاهل التفاهات
وبالعاميه .. فالتغافل هو " فن التطنيش " ومهارة الصفط .
وبمعنى آخر ..
نتصنع عدم الإنتباه لتوافه الأمور ..
ونعديها طالما هي صغيره وما نكبر المسائل
قالوا أن التغافل نصف العقل ..
وقيل أنه العقل كله ..
وقيل كذلك أن التغافل تسعة أعشار الحكمة
وكم من أزمة ماتت في مهدها بالتغافل ..
التغافل .. التغافل .. التغافل ..
كثيراً ما نذكر التغافل ، ونمتدح نتائجه ..
أي نعم .. عرفنا معناه ، وعرفنا فوائده ومنافعه وآثاره
ولكن ماهي آلية تطبيقه في حياتنا ؟
أو بمعنى آخر ..
كيف نمارس التغافل ..
ونطبقه على واقعنا بإيجابيه ..
فالتغافل إن لم يمارس بطريقه صحيحه فنتائجه ستكون سلبيه
على المتغافل والمُتغافَل عنه ..
أولاً .. أن نتغافل ..
يعني أن "نتصنع" الغفله والجهل وعدم الإنتباه
مع حضورنا وانتباهنا وفهمنا وإدراكنا ..
- إخماداً لفتنة في منطلق شرارتها ..
- أو منعاً لإحراجنا أو إحراج غيرنا ..
-أو تجاوز عن تفاهه لا معنى للخوض فيها وضررها أقرب من نفعها..
- وحتى لا نخسر قريباً أو نمكن عدواً منا .
والتغافل يمنح وقتاً للتفكير ،
ودراسة الموضوع من جميع جوانبه والسبر في أغواره ،
ويمنح الطرف الآخر فرصة للتراجع .. والمراجعه .. والإصلاح ..
وتغافلك للعدو خدعة ..
تجعله يطمئن ويتمادى مع تقليل حذره منك
فيجعلك في موقف أقوى وموقع استراتيجي أفضل .
وقد يكشف نفسه بنفسه بتغافلك الواعي .
وفي النقاش والتفاوض ..
يعطيك التغافل فرصه أكبر للتفكير ،
والتصيد والإنقضاض الحكيم المدروس
وفي كل الحالات..
فالتغافل عن السلبيات إيجابيه ،
أما التغافل عن الإيجابيات سلبيه
وفي حالة "التغافل الإيجابي" ..
ليس من الحكمه الإستمرار بالتغافل الكامل
على خطأ مستمر أو مايحتاج للتدخل السريع
بنصيحه أو تنبيه أو سلوك معين ..
لوقف ضرر قائم أو ضرر آتي أو رفع ظلم وإحقاق حق .
فالتغافل يكون على الصغائر وتوافه الأمور ..
والتغافل بحكمه مع الكبائر والعظائم
لترتيب الأفكار والأوراق قبل أي ردة فعل غير حكيمه
وبعد التأمل بحالات التغافل وتقسيماته ..
وجدت أن هناك بعض المباديء التي انتهجها معلم الحكمه ،
سيدنا وحبيبنا محمد عبد الله ورسوله
صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ..
وهذه المباديء والقيم هي "لب" التغافل ورأس الحكمه ..
واسمحولي باستعراضها عليكم :
( 1 ) مبدأ : الترفع وترك الفضول.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "
وقال صلى الله عليه وسلم :
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فاليقل خيراً أو ليصمت "
( 2 ) مبدأ : التراحم والتكافل والمحبه وتقديم الخير ..
قال صلى الله عليه وسلم : " من فرج على مؤمن كربة فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامه"
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه "
بالتغافل عن الزلات والعيوب ترفع الحرج عن الناس ، وهذا ما تحبه لنفسك
ويعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن من كمال الإيمان أن تحب لنفسك ما تحبه لغيرك .
( 3 ) مبدأ : الستر .
قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
" من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة... "
من عير عير .. ومن عاب على انسان واقع في خطأ وقع في نفس الخطأ
واذا سترت اليوم على إنسان زلته ، منحته فرصة للإصلاح غداً .
( 4 ) مبدأ الأدب وحسن الخلق .
التغافل .. من محاسن الأخلاق ،
فكريم النفس يتغافل عن هفواتك وكبواتك
ولئيم الطبع هو من يتصيد أخطاءك ويتجاهل حسناتك .
( 5) مبدأ حسن الظن والنيه الحسنه ..
قد تستعجل الحكم والتنبيه على أمر ترائى لك أنه مشين ،
بينما هو في الواقع كان مبني على نية حسنه
والخطأ فيه لم يكن مقصوداً ..
فالتغافل في هذه الحاله عين العقل ودليل الحكمة والتأني ..
قال صلى الله عليه وسلم :
" إنما الأعمال بالنيات وأنما لكل إمرء ما نوى "
فربما لاح لنا أمر لا يعجبنا قد تكون النيه فيه حسنه ولكنه أساء التصرف .
( 6) مبدأ التوازن ..
الأخذ بالإعتبار مدى الضرر وقياس القدرة
قال صلى الله عليه وسلم :
" من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ " .
فالذي يحبك يتغافل عن سلبياتك ..
ولكن لا يهمل نصيحته او تنبيهك على أخطاءك
حتى لا تتعرض للخطر والضرر .
والحكيم من نصح سراً وبطلف ويتحين الوقت المناسب وإن كان لا يعرفك
والأحمق من نصح علناً وبعنف وفي أي زمان ومكان وإن كان يحبك
(7) - تصوير القرآن الكريم للتغافل ..
قال تعالى ممتدحاً صفة من صفات عباد الرحمن : " وإذا مروا باللغو مروا كراماً " .
وقال جل جلاله معلماً لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم : " وأعرض عن الجاهلين "
وذم الله عز وجل أهل النار في إجابتهم لسؤال أصحاب اليمين عن أسباب خسارتهم للأخرة
"وكنا نخوص مع الخائضين "
ونهى الله عز وجل عن السخرية والاستهزاء والظن السيء والتجسس والغيبه ..
وكلها من الأمور المناقضه لمباديء الأخلاق و منافيه لمباديء التغافل التي سبق وأن أوردتها..
قال سبحانه وتعالى :
" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خير منهم ،
ولا نساء من نساء عسى أن يكن خير منهن ، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب
بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون " .
وقال تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا
ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ،
واتقوا الله إن الله تواب رحيم " .
______
و من أسس التغافل ..
تدريب النفس على التأني والحلم والصبر وكظم الغيظ
ولا يكون كل ذلك إلا بصفاء الفكر وطهارة النفس و سلامة القلب .
وكلها عناصر للحكمة تستحق أن نقضي حياتنا في تعلمها والتطبع بها .
هذا التغافل ببساطه ..
كما أراه وكما أعتقد أن رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم علمنا إياه ..
وفي سيرته الكثير من قصص ودروس التغافل الإيجابي
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة .
اللهم إن كنت قد أصبت فبفضلك وحدك ونعمتك ،
وإن أخطأت فمن نفسي وجهلي فاغفر ليّ وسامحني .
________
محمد عبد العزيز المكوار
maom75@gmail.com
m_a_almikwar@
كلام جميل جدا جدا عسل
ردحذفبوركت يا طيب واسمح لانا بأخذ شيئ من هذا
ردحذف