السبت، 22 فبراير 2014

وَمَضَاتٌ ذَوقِيِّة ..










في إحدى الليالي ..
إشتاق الحبيب إلى حبيبه 
فاستأذن زوجته في لقاءه 

فقالت له أنها تحب قربه وتحب هواه 
 لكنها تؤثر ما يُحبه على ما تُحبه 

فأذنت له بما يحب 

من الزوج ومن الزوجة ؟

ومن هو "الحبيب" الذي إستأذن الزوج زوجته في لقاءه ؟


____


الزوج هو مُعلم الذوق والأدب ..
سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم 

الزوجة هي أم المؤمنين
السيدة عائشة بنت أبي بكر 
رضي الله عنها وعن أبيها 

والحبيب الذي إستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم 
زوجته في لقاءه في الوقت المخصص لجلوسه معها .. 

هو الله .. الذي لا إله إلا هو رب العالمين 

فأي ذوق هذا في إستئذان سيد الذوق صلى الله عليه وسلم : 

" يا عائشة أتأذنين لي الليلة في عبادة ربي ؟ " 

ومن الذي يتعامل مع كل هذا الذوق
 ولا يؤثر هواه على نفسه حباً وكرامة له 

رسول الله ، وقائد الأمة ..
الذي لديه السلطة ليحرك آلاف الرجال بكلمة منه 

يستأذن من زوجته .. 

لا ليسهر الليلة مع أصحابه إلى الفجر ويتركها وحيدة 

بل إستأذنها " لعبادة ربه " وهو بقربها 

_____

وفي قصة أخرى .. 
ودرس آخر في الذوق 

في الحديث الصحيح 2351 من صحيح البخاري .. 

قال سهل بن سعد رضي الله عنه : 

أُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بقَدَحٍ فشرب منهُ ،
 وعن يمينِهِ غلامٌ أصغرُ القومِ ، والأشياخُ عن يسارِهِ ، 
فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا غلامُ ، أتأذنُ لي أن أُعطيهِ الأشياخَ ) ؟ 
قال الغلام : ما كنتُ لأُوثِرَ بفضلي منكَ أحدًا يا رسولَ اللهِ ، (( فأعطاهُ إياهُ )) .



ومضة الذوق الأولى من هذه القصة .. 

أن غلام صغير السن من عامة الناس 
يجلس بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم 
وهو القائد الأعلى للأمة .. 

فقد أتى الغلام أولاً وحجز لنفسه أقرب مكان من رسول الله 
وعلى يمينه صلى الله عليه وسلم ولم يبعده عن أقرب مجلس إليه 
ولم يأمر بالشيوخ وكبار القوم بأن يجلسوا بالقرب منه 

ولم يبعده أحد ، وهذه دلالة على أن الوضع طبيعي ومُعتاد
فليس ذوق " تصنع " ولا " تكلف " بل هو ذوق إعتاد عليه من حوله 

والومضة الثانية .. 

أنه صلى الله عليه وسلم مع عِظم مكانته .. 
إستأذن الغلام الصغير في تمرير القدح لمن هم أكبر منه سناً 

وكان بإمكانه تجاوزه بلا إستئذان .. 
ولكن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ذوقه الرفيع  

والمفاجئة أن الغلام لم يأذن للرسول صلى الله عليه وسلم 
بما إستأذنه به ، وبرر بعفوية وبمنطق سليم سبب رفضه
 وقبل رسول الله صلى الله عليه منه رفض إذنه 
ولم يعترض الشيوخ على رفض الغلام لإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم 
ولم يجبروه على تمرير القدح ولم يوبخوه ، واعتبروا أن ذلك من حقه 

موقف " بسيط " في روايته ، ولكنه غزير المعاني وعميقها .. 

يدل الموقف على معرفة الغلام ومن حوله من الرجال 
 بمدى تَفَتُّح عقل وقلب وصدر رسول الله صلى الله عليه 
وقبوله للرأي الآخر وللتبرير وللحوار وللرفض مع السبب 
وليس للقبول الأعمى مع أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم 

ويدل كذلك على إحترام رسول الله صلى الله عليه وسلم للكبير والصغير 
وذوقه الفطري عالي المستوى المتواصل في كل أحواله 

حتى أن المرأة والرجل والصغير والكبير يتعاملون مع ذوقه وأخلاقه 
بشكل تلقائي إعتيادي ، وكأن الجميع ألِف تلك الأخلاق منه 
صلى الله عليه وسلم ، صلى الله عليه وسلم ، صلى الله عليه وسلم 


وقفة .. 

في هاتين القصتين ومضات ذوق راقية .. 
لتعامل الرجل القائد ، والرجل الزوج 
يتعامل ببساطة ، يستأذن بلطف ، 
يتقبل الرفض ويستمع للأسباب ويأخذ بها ويعذر عليها 
ولا يرغم ولا يجبر بالرغم من أن بيده السلطة لذلك 

هذه أخلاق الأسوة الحسنة ، قدوة الأمة صلى الله عليه وسلم ،
 ومادون ذلك لا ينسب إلى ما جاء به وما علمنا إياه 

وهذا ما يحز في النفس ,, 
أن تجد رجلاً أو إمرأة في أي زمن من الأزمان 
يدينون بدين الله ، ويحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم 
ويتبعون سنته ، ويقتدون به ,, 

ويصرحون دائماً بأنهم على منهجه ونهجه 
ثم تجدهم لا يتخلقون بأخلاقه 
يعتبرون الإستئذان عيب وتقييد 
سواء من الزوج أو الزوجة 

ويتعاملون بعنف وأمر وتسلط 
مع أبناءهم وبناتهم في مختلف الأعمار 
ولا يستأذنون منهم ولا يسمعون منهم ولا يقبلون أعذارهم 
وكأنهم في معتقل أو معسكر تجنيد

ومن باب أولى فهم "عملياً " لا يغرسون الذوق ،، 
في تعامل أبناءهم وبناتهم مع بعضهم البعض 
وإن رددوا عليهم النصائح والتوجيهات والأوامر 
بالتعامل بالأدب والذوق والإحترام 


كانت هذه الومضات الأخلاقية الرفيعة .. 
في تعامل الأهل بعضهم مع بعض

فهو المقياس الحقيقي لخير الإنسان 
والمعيار الأول لمستوى أخلاقه  
ونسبة محبته وإقتداءه برسول الله صلى الله عليه وسلم 

فكما قال صلى الله عليه وسلم : 

" خيركم خيركم لأهله " 

وهذا الحديث الشريف ليس كما تم تقليص مفهومه 
ليقتصر على تعامل الزوج مع زوجته فقط 

فأهل الرجل والديه وزوجته وأبناءه وبناته
 وأقرباءه الأقرب فالأقرب 

وأهل المرأة والديها وزوجها وأبناءها وبناتها
وأقرباءها الأقرب فالأقرب 

_____


فيا محباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم 
ويا متبعاًً لنهجه ، تلمس ومضات أخلاقه من سيرته 
واقتبس منها ما استطعت .. 

فالقليل منها يرتقي بحياتنا إلى المعالي .. ويقربنا إلى الكمال
وكلما إستزدنا منها إزدادت رفعتنا في الدنيا والأخرة

وما قيمة الإنسان إلا بمقدار أخلاقه
وخيره الذي يقدمه بلا مقابل 

وذوقه مع القريب والبعيد




________________

محمد عبد العزيز المكوار
maom75@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق